أبوحنيفة نسبه وقبيلته

هو النعمان بن ثابت بن المَرْزُبان، وكنيته أبو حنيفة، من أبناء فارس الأحرار، ينتسب إلى أسرة شريفة في قومه، أصله من كابل (عاصمة أفغانستان اليوم)، أسلم جَدُّه المرزُبان أيام عمر رضي الله عنه، وتحوَّل إلى الكوفة، واتخذها سكنًا.

 

أبوحنيفة مولده ونشأته

وُلِد الإمام أبو حنيفة رحمه الله بالكوفة و ذلك سنة ثمانين من الهجرة  النبوية على القول الراجح (699م).

 ونشأ الإمام أبو حنيفة  رحمه الله بالكوفة و تربى  في أسرة مسلمة صالحة غنية كريمة، و فيما يبدو أنه كان وحيداً  لأبويه، وكان أبوه يبيع الأثواب في دكان له بالكوفة، ولقد خَلَف أبو حنيفة أباه بعد ذلك بالعمل فيه.

و قد حفظ أبو حنيفة القرآن الكريم و هو ما زال فى صغره، شأنه شأن أمثاله من أصحاب النباهة والصلاح.

 وحين بلغ أبو حنيفة سن السادسة عشرة من عمره خرج به أبوه و كان ذلك لأداء فريضة الحج وزياة  قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده.

 

وكان أول شيئ اتجه إليه أبو حنيفة من العلوم  هو علم أصول الدين و برعا فى مناقشة أهل الإلحاد والضلال، ولقد دخل البصرة أكثر من سبع وعشرين مرة، يناقش تارةً ويجادل تارة  ويرد الشبهات عن الشريعة تارة أخرى، وكان رجمة الله  يدفع عن الشريعة ما يريد  المارقة و أهل الضلال أن يلصقوه بها، فناقش جهم بن صفوان حتى أسكته، و كذلك أيضاً جادل الملاحدة حتى أقرَّهم على الشريعة، كما ناظر أيضاً المعتزلة والخوارج فألزمهم الحجة، وجادل الغلاة  من الشيعة فأقنعهم.

 

و قد مضى الإمام أبو حنيفة رحمه الله في هذه الطريق من علم الكلام وأصول الدين، ومجادلة الزائغين و كذلك أهل الضلال، حتى أصبح  أبو حنيفة عَلَمًا يُشار إليه بالبنان، وهو ما يزال في سن  العشرين من عمره، وقد اتخذ حلقة خاصة له و كان ذلك في مسجد الكوفة، وكان  يجلس إليه فيها الطلاب  فى هذا النوع من العلوم. ثم يعد ذلك توجَّه أبو حنيفه رحمه الله إلى دراسة علم الفقه، وتفقَّه على حمَّاد بن أبي سليمان، حتى أصبح مقرَّبًا منه ؛ قال حماد بن أبى سليمان عن الإمام أبو حنيفة : "لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة".

 

و هذه بعض ملامح من شخصية أبي حنيفة وأخلاقه

أولا : ورعه وعلمه.

كان أبو حنيفة رحمه الله  زاهدًا ورعًا، أراده يزيد بن هبيرة أمير العراق أيام مروان بن محمد أن يوليه القضاء فأَبَى، وأراده بعد ذلك المنصور العباسي على القضاء أيضاً  فامتنع، وقال رحمه الله : "لن أصلح للقضاء". فحلف عليه المنصور ليفعلَنَّ، فحلف أبو حنيفة أنه لن يفعل؛ فحبسه المنصور عقابا له.

 

قالابن المبارك رحمه الله عنه : قلتُ لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، فما سمعتُه يغتاب عدوًّا له.

 فقال: والله هو أعقل من أن يُسلِّط على حسناته ما يذهب بها.

 

وكان  رحمه الله واسع العلم في كل العلوم الإسلامية، وهو الذي تجرَّد لفرض المسائل وتقدير وقوعها وفرض أحكامها بالقياس، وفرَّع للفقه فروعًا زاد في فروعه، وقد تبع فى ذلك  أبا حنيفة جُلُّ الفقهاء بعده، ففرضوا المسائل وقدروا وقوعها ثم بيَّنوا أحكامها.

 

و فى عبادة أبي حنيفة رحمه الله لله تعالى:

فقد كان أبو حنيفة  رحمه الله يختم القرآن في كل يوم، ثم حين اشتغل بالأصول والاستنباط واجتمع حوله  من الأصحاب أخذ يختمه في ثلاثٍ في الوتر.

و كذلك  صلى أبو حنيفة ثلاثين سنة صلاة الفجر بوضوء العتمة، وورد أيضاً أنه حجَّ خمسًا وخمسين حجة.

 

قال عنه  مِسْعَر بن كِدَام: "رأيتُ الإمام يصلي الغداة ثم يجلس للعلم إلى أن يصلي الظهر، ثم يجلس إلى العصر ثم إلى قريب المغرب ثم إلى العشاء، فقلتُ في نفسي: متى يتفرغ للعبادة؟ فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد - وكان بيته بجوار المسجد الذي يؤم فيه حِسْبة لله تعالى - فانتصب للصلاة إلى الفجر، ثم دخل فلبس ثيابه - وكانت له ثياب خاصة يلبسها لقيام الليل - وخرج إلى صلاة الصبح ففعل كما فعل، ثم تعاهدته على هذه الحالة فما رأيته مفطرًا، ولا بالليل نائمًا".

 

شيوخأبو حنيفة

بلغ عدد شيوخ أبي حنيفة رحمه الله أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقي من أتباعهم، "وقد صنَّف في ذلك جماعة من العلماء، ورتبوهم على ترتيب حروف المعجم".

 

وأستاذ الإمام أبي حنيفة هو حماد بن أبي سليمان، وهو تابعيٌّ كوفي ثقة، روى عنه أبو حنيفة رحمه الله ألفي حديث من أحاديث الأحكام.

 

ومن شيوخه رحمه الله أيضًا: إبراهيم بن محمد المنتشر الكوفي، وإبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، وأيوب السختياني البصري، والحارث بن عبد الرحمن الهمذاني الكوفي، وربيعة بن عبد الرحمن المدني المعروف بربيعة الرأي، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أحد الفقهاء السبعة، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وسليمان بن يسار الهلالي المدني، وعاصم بن كليب بن شهاب الكوفي، وغيرهم الكثير.

 

روى عنه جماعة، منهم: ابنه حماد، وإبراهيم بن طهمان، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وأسد بن عمرو القاضي، والحسن بن زياد اللؤلئِيُّ، وحمزة الزيات، وداود الطائي، وزفر، وعبد الرزاق، وأبو نعيم، ومحمد بن الحسن الشيباني، وهشيم، ووكيع، وأبو يوسف القاضي، وغيرهم كثير.

 

 

آراءالعلماء في أبي حنيفة

قال وكيع بن الجرَّاح شيخ الشافعي: "كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يُؤثِر الله على كل شيءٍ، ولو أخذته السيوف في الله تعالى لاحتملها".

 وقال عنه  الإمام الشافعي: "ما طلب أحد الفقه إلا كان عيالاً على أبي حنيفة، وما قامت النساء على رجلٍ أعقل من أبي حنيفة".

 

وقال كذلك عنه  الإمام أحمد بن حنبل: "إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحلٍّ لا يدركه أحد.

 

وفاةأبي حنيفة

تُوفِّي رحمه الله ببغداد سنة 150هـ/ 767م. يقول ابن كثير: "وصُلِّي عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام، وقبره هناك رحمه الله".

 

المراجع

- أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، وهبي سليمان، دار القلم.

- البداية والنهاية، الحافظ ابن كثير. 

التعليقات

نرجوا ترك نعليق لأى ملاحظات

أحدث أقدم